خالد بوفريوا-Khalid Boufrayoua / طالب جامعي
ملف الصحراء الغربية ثالث أعرق الملفات التي تقض مضاجع أروقة الأمم المتحدة بعد الملف الفلسطيني 1948 و الصراع التركي / اليوناني على جزيرة قبرص 1964؛ ملف أصبح قرين مصالح دراماتيكية إقليميا و دوليا، و على سبيل « جبر الخواطر » و « تسجيل المواقف » و إن لم نقل « إطالة عمر الصراع!! ». يتم تعيين (مبعوث أممي) على مقاس بلطجية الفيتو + 1.
فكيف نفهم فشل/ إفشال 08 مبعوثين شخصيين تعاقبوا على قضية الصحراء الغربية؟
تتجلى السخرية السوداء القائمة على مفارقة البدايات في الرفوف التاريخية لمجزرة الأمم المتحدة، ففي 20 مايوا / أيار 1948 جراء تعيين أول مبعوث للأمم المتحدة في فلسطين « كونت فولك برنادوت »، أرستقراطي تم إرساله إليها _فلسطين_ بعد قرار تقسيمها، وعلى إثر بحثه لحل نهائي، قاده الأمر إلى حتفه في شهر سبتمبر / أيلول من ذات السنة على يد (عصابات الشتيرن الصهيونية) في القدس. عقبه المبعوث « راف بنش » الذي لم يبحث عن حل بل توصل لهدنة عام 1949 فتوج بعدها بجائزة نوبل لسلام،وهكذا؛ من سعى للحل الحاسم قُتل، و من سعى لهدنة أدامت الصراع للأبد حصل على جائزة نوبل!!
إن النبش في سجلات الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة كالنقش على الماء، لن نجد غير متلازمة الفشل / إفشال في التعاطي مع ملفات الصراع و بؤر التوثر عبر إرسال المبعوثين الشخصيين التابعين للجمعية العامة.و بالعودة للسنوات العشر الماضية ،أي منذ بداية ما جُعجع (إعلاميا) بالربيع العربي، سنجد أن حمى متلازمة الفشل تتصاعد تباعاً لتصبح قاعدة عامة تسري على الكل، فمن ليبيا إلى الصحراء الغربية مرورا بسوريا و اليمن… ، يدخل تعيين المبعوثين الأمميين ضمن صلاحيات الأمين العام للأمم المتحدة، إن لم نقل عن طريق التغلغل الكبير للولايات المتحدة الأمريكية في مفاصل هذه المؤسسة، أو إحدى دول [رقصة الفيتو + 1] و تدخل صلاحيات المبعوثين الأمميين ضمن ما يمكن أن نسميه (تفويض) من قبل قرار يصدره مجلس الأمن أو من طرف الأمين العام ذاته الذي يحدد بشكل مباشر المهام الملقاة على عاتقهم و التي تتغير دوريا على حساب متغيرات الأرض / الواقع.
هنا مبعوثو اليمن كالذي يبحث في كومة من الرمال المتحركة، و هناك مبعوثو سوريا كمن يرقص في حقل مدجج بالألغام،أما ليبيا فمبعوثوها يسارعون ضمن ماراثون مرْنٍ، و الصحراء الغربية ليست بأحسن حال.
إن الجذور الأولى لإنشاء البعثة الأممية التقنية للإستفتاء في الصحراء الغربية تعود لسنة 1985 حينما قرر آنذاك « خافيير بيريز دي كويلار »،كونه الأمين العام للأمم المتحدة، بالتعاون مع منظمة الوحدة الإفريقية OAU إرسال ما سمي في أبجديات القبعات الزرق « بعثة مساع حميدة » للبحث عن حل لقضية الصحراء الغربية، وقد توصلت البعثة إلى مقترحات للتسوية قُبلت مبدئيا من طرفي الصراع (جبهة البوليساريوا _ المملكة المغربية) إلى أن حلت سنة 1991 _19 أبريل / نيسان_ حين قرر مجلس الأمن في قراره الموسوم تحت رقم (690) أن يؤسس الترتيبات الأخيرة لبعثة سماها (المينورسو) وفقا لتقرير الأمين العام (S 122464) حتى مجيئ سنة 1991 06 سبتمبر_أيلول، عشية وقف إطلاق النار بين طرفي الصراع، لتبدأ حينها الفترة الانتقالية التي نصت عليها التسوية الأممية.
وهكذا كانت أولى مهام القبعات الزرق، التحقق من عملية وقف إطلاق النار عبر مراقبة تموقع الجانبيين على طرفي الجدار الذي بناه المغرب عبر أشطر إبتداً من سنة 1980 و الحد من خطر الألغام و التحقق من تخفيض عدد القوات المغربية في الإقليم.ليتم بعد ذلك إنشاء لجنة في مايو/ أيار 1993 سميت (لجنة التحقق من الهوية) لإجراء الإستفتاء من أجل تحديد هوية الناخبين الذين تحق لهم المشاركة في استفتاء تقرير مصير الشعب الصحراوي، إضافة لعديد من البرامج و المهام.
وبالرجوع إلى تعيين أول مبعوث للأمين العام ( خافيير بيريز دكويلار )، كان هو السويسري « جوهانس مانس » في سنة 1990 ، سنجد أن مدة انتدابه لم تتجاوز سبعة أشهر، من 29 أبريل/نيسان 1990 حتى ديسمبر/كانون الأول 1991 ليستقيل بعدها، بعد ان أدرك صعوبة الحل الأممي لملف مفاتيحه متحكم فيها من قبل [دول رقصة الفيتو + 1].
المبعوث الثاني هو الدبلوماسي « زادة يعقوب خان » الذي عينه ( بطرس غالي )، و لم تتجاوز مدة مهمته السنتين، عقبه « إيريك جينسن » ممثلا خاصا بالنيابة من 1994 وحتى 1997، لكنه لم يستطيع حلحلة مواقف الطرفين، وإن كانت فترته شهدت بداية عملية ما عُرف « تحديد الهوية » لمن يستحقون المشاركة في استفتاء تقرير المصير. وهنا ياتي « جيمس بيكر » الذي عينه (كوفي عنان) عام 1997 ممثلا خاصا له حيث قدم خطة تسوية للنزاع أقرها مجلس الامن الدولي بقراره رقم 1429 الصادر في 30 يوليو/ تموز 2002،ثم الهولندي « بيتر فان فالسوم » الذي عُين في يناير / كانون الثاني 2005. وقد تميزت مهمته بتنظيمه عام 2007 بالولايات المتحدة جولات محادثات لأول مرة بين الطرفين، لكنها لم تفض إلى نتائج واقعية.و في يناير/كانون الثاني 2009. عين (بان كيمون) الأمريكي « كريستوف روس » مبعوثا خاصا له، عقبه الألماني « كوهلر هورست » ليستقيل بعد سبعة أشهر من تعينيه مدركا لطبيعة الصراع الذي تتلاعب به مخالب بلطجة الفيتو + 1 بمجلس الأمن.
هكذا هي النتيجة الأزلية إذن،بل إن القاسم المشترك في كل مسلسل البكاء الأممي الترجيدي هذا : الفشل / الإفشال و الإنسحاب لفتح الباب أمام تعيين مبعوث جديد،لتستمر بذلك مسلسلات التباكي تباعا.
وعلى سبيل الختام، سنضرب مثال واقعي يؤكد بالملموس على أننا أمام [صفقات سياسية]، توقع جنب « ميثاق سان فرانسيسكو » الذي اوهم الجميع بشعاره التاريخي (حفظ السلم و الأمن الدوليين)؛ كيف نفهم أن المبعوث الأممي السابق للملف الليبي « غسان سلامة » بعدما قدم إستقالته، ينتهي به الأمر « مستشار » لدى الأكاديمية الدبلوماسية في الإمارات العربية المتحدة !! ومن يرأس هذه الأكاديمية هو « برناردينو ليون » الذي كان هو الأخر مبعوث أممي لذات الملف؟!